أشارت صحيفة الأخبار اللبنانية، إلى أن سباقا يدور بين دائني مصرف لبنان يرمي إلى إلقاء الحجز على الاحتياطات بالعملات الأجنبية؛ جمعية المصارف تدّعي أنها تدافع عن حقوق المودعين، ونقابات المهن الحرّة تأخرت بضع سنوات للتحرّك دفاعاً عن مدّخرات المنتسبين إليها، فيما التجار انتظروا حتى يعدهم الحاكم بتسديد 540 مليون دولار بالليرة وبالتقسيط لسنتين. هذا السباق قد يكون مؤشراً على كارثة جفاف الدولارات من لبنان تمهيداً لسباق السيطرة على الذهب وباقي الأملاك العامة
قبل نحو أسبوعين، قرّر مجلس إدارة جمعية المصارف إقامة دعاوى قضائية ضدّ الدولة ومصرف لبنان. كُلّف بهذه الدعوى المحامي نصري دياب وإلى جانبه إيلي شمعون وربما أكرم عازوري وأسامة سلمان. وفي الأسبوع الماضي، عرض فريق المحامين على الجمعية مجموعة خيارات؛ من بينها رفع دعويين مستقلتين؛ واحدة أمام مجلس شورى الدولة على الدولة اللبنانية لمطالبتها بتسديد سندات اليوروبوندز، والثانية أمام القضاء المستعجل على مصرف لبنان للمطالبة بودائع الزبائن المودعة لدى مصرف لبنان. ويجري درس مزيد من الخيارات، لكن الراجح بينها هي الدعوى المستعجلة ضدّ مصرف لبنان لمنعه من التصرّف بالاحتياطات الإلزامية بالدولار التي فرضها على المصارف بموجب تعاميمه ضمن نسبة 14% من مجمل قيمة ودائع كل مصرف بالدولار، أو بالحصول على سلفة وقتية على ودائع المصرف لدى مصرف لبنان المستحقة السداد والتي يمتنع سدادها، معطّلاً المصارف من تسديد الودائع لأصحابها.
وأضافت الصحيفة: بوقاحتها المعتادة، وبعدما فرّطت المصارف بأموال المودعين عن علم وإصرار، تزعم بأنها سترفع الدعوى نيابة عن المودعين، ودفاعاً عن حقوقهم التي سلبها منهم مصرف لبنان. اللافت أن الجمعية انتظرت أكثر من سنتين ونصف سنة حتى تقوم بخطوة كهذه في توقيت مريب للغاية، يأتي بعد اتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي على برنامج تمويلي وخطّة قائمة على شطب رساميل المصارف أولاً. ورغم معرفتها بأن الاتفاق على وشك الحصول، ولا سيما أنها تبلّغت في لقاءين مع نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، ومع رئيس مهمة الصندوق في لبنان أرنستو راميريز، بكل ما يجب أن تعلمه عن الخطّة، إلا أنها لم تصدر أي تعليق أو عبارة واحدة، أملاً بأنها ستحصل على مكسب ما من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. المفاجأة أن ميقاتي أبلغهم: «فعلت كل ما يمكنني فعله». بعد لقائهم مع ميقاتي مباشرة، أصدرت الجمعية بياناً ترفض فيه خطّة الشامي، ثم اجتمع مجلس إدارتها لاحقاً وأقرّ خطة الدعوى القضائية.
إذاً، هل يمكن الحجز على الاحتياطات؟ هل لدى الجمعية الصفة للقيام بخطوة كهذه؟ بحسب المطلعين، فإن صفة المدعي قد تنطبق على الجمعية، ولا سيما في ظل التعديلات التي أجريت قبل سنوات على نظامها الداخلي الذي يتيح لها الدفاع عن حقوق باقي المصارف، لكن الأمر يحتاج إلى انعقاد الجمعية العمومية. وبما أن رئيس الجمعية سليم صفير غائب بداعي السفر إلى لندن، فإن الجمعية لم تلتئم بعد لتقرير الخيار المنوي القيام به ودرجة المواجهة التي ستقوم بها.
وتساءلت الصحيفة بالقول: هنا يصبح السؤال الأول مشروعاً، أي هل يجوز إلقاء الحجز على الاحتياطات؟ ثمة تركيز بين المحامين على أن مصرف لبنان لديه صفتان: واحدة عامة يحملها أثناء تأدية وظيفته المنصوص عليها في قانون النقد والتسليف كناظم للقطاع، وثانية تجارية منصوص عليها أيضاً في قانون النقد والتسليف، وتتعلق بالأعمال التي يقوم بها مثل استقبال الودائع ودفع الفوائد وامتلاك العقارات وبيعها… فبهذه الصفة الأخيرة، استحصل مصرف لبنان على ودائع من المصارف ودفع عليها فوائد أيضاً، ويترتّب عليه تسديدها. لكنه أيضاً استودع لديه لحساب المصارف، احتياطات من ودائع الزبائن بالدولار بنسبة محدّدة (14% حالياً)، وبإمكان المصارف المطالبة بما يطالبها به الزبائن. ويتردّد في أوساط الجمعية أن احتمال الفوز بهذه القضية مرتفع في ظل وجود سابقة تتعلق بزبون لدى بنك الموارد طلب من القضاء حجز حصّته من الاحتياطات الإلزامية التي أودعها المصرف لدى مصرف لبنان (قد لا تكون هذه الرواية صحيحة، إنما هي متداولة). يقال إن القضاء منحه حكماً بذلك، وإن مصرف لبنان استجاب للحكم.
وبحسب الصحيفة فإنه ورغم أن التوصيفات القانونية لطبيعة العلاقة بين مصرف لبنان والمصارف، ليست نهائية أو محسومة، بل سيبتّ فيها القضاء إذا اعتبرنا أنه لن تكون هناك تدخلات سياسية، إلا أن خطورة المسألة تكمن في إمكانية الفوز بعملية الحجز أو السلفة الوقتية. فهذا يعني تعطيل أيّ احتمال لاستعمال هذه الأموال وقت الحاجة، وهو وقت يبدو أنه يقترب سريعاً في ظلّ تدنّي الاحتياطات إلى 11.2 مليار دولار في نهاية نيسان الماضي، مقابل التزامات كثيرة غير مسدّدة. صحيح أن مصرف لبنان يدّعي أنه أوقف استخدام هذه الأموال، وهو ما يثير الاستغراب عن مصادر الدولارات التي يضخّها في السوق عبر التعميم 161، لكنه سيكون مجبراً على استخدامها في حال نفاد الدولارات من السوق، سواء لشراء القمح أو الأدوية أو أيّ أمور طارئة. مُجبراً بشكل معنوي، أو مجبراً بواسطة سلطة الحكومة. كما أن نجاح هذه الخطوة سيفتح الباب أمام الحجز على الذهب ليصبح لبنان «على الحديدة».
ولفتت إلى أن الجمعية ليست وحدها من يسعى إلى الحجز على الاحتياطات، بل هناك نقابات المهن الحرّة التي قطعت شوطاً طويلاً من المهل المعطاة للحكومة لإجبار مصرف لبنان على تسديد ودائع نحو 100 ألف منتسب إليها. أما تجار المواشي، وتجار المواد الغذائية وسائر التجار المستفيدين من الدعم، فلديهم في ذمّة مصرف لبنان 540 مليون دولار، وهم يتّجهون للمطالبة بهذه الأموال أمام القضاء.
المصدر: الأخبار اللبنانية