في سوق الانتقالات الشتوية الماضية، ظهر مقياس تأثير «فابريزيو رومانو»، حين نشر المهاجم الإسباني فيران توريس مقطع فيديو لنفسه على حسابه في «تويتر»، وهو يقوم بعمل بدني خفيف في منشأة تدريبات نادي مسقط رأسه فالنسيا. كان توريس قد أمضى فترة عيد الميلاد في حالة من عدم اليقين، في انتظار موافقة مانشستر سيتي على بيعه إلى برشلونة.
بحلول 26 ديسمبر، تحركت الأمور بشكل كافٍ لدرجة أن توريس، أراد إخبار متابعيه بأن هذه الخطوة وشيكة، وكتب في رسالة نشرها بجانب الفيديو: «الاستعداد في المنزل.. فالنسيا»، وبعد ذلك، في سطر جديد، كتب عبارة «ها نحن ذا!»، وهي العبارة التي يشتهر بها «فابريزيو رومانو» على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي 3 كلمات أصبحت تعادل الإعلان الرسمي للأندية على إتمام الصفقات.
اطلاع رومانو على ما يُجرى خلف الكواليس في سوق انتقالات اللاعبين عظيم، لدرجة أنه قفز من كونه مجرد مراسل يغطي سوق انتقالات كرة القدم، إلى صحفي مؤثر ومراقب ومشارك.
سرّ المكالمة الهاتفية بدأ رومانو في الكتابة عن كرة القدم، عندما كان مراهقاً في مسقط رأسه نابولي، في مجموعة متنوعة من مواقع كرة القدم الإيطالية المتخصصة، قبل أن يتلقى الاتصال الهاتفي الذي غير حياته.
وفي مقابلة له مع صحيفة «نيويورك تايمز»، قال رومانو إنه لا يعرف تماماً كيف حصل وكيل أعمال إيطالي طموح في برشلونة على اسمه ورقم هاتفه، ويضيف رومانو: «كان يعمل في لا ماسيا»، أكاديمية برشلونة الشهيرة، وكان يريد أن يصبح وكيلاً، كان يأمل في إقناع لاعبَين شابين بالسماح له بتمثيلهما، وسألني إذا كنت قادراً على كتابة لمحة عن مسيرتهما حتى تلك اللحظة. كان اللاعبان هما الجناح الإسباني الشاب جيرارد ديولوفو، والمهاجم الشاب الرائع ماورو إيكاردي، وكتب رومانو ملفاً شخصياً عن كلا اللاعبين، وحصل الوكيل بالفعل على موافقتهما بأن يدير أعمالهما، وظل الاثنان على اتصال.
فخر التجربة الأولى
وفي صيف عام 2011، أخرج رومانو للعلن قصة مغادرة إيكاردي لبرشلونة إلى سامبدوريا، إذ يشير إليها بفخر على أنها «تجربته الأولى»، لكن صداها كان محدوداً، إذ كان إيكاردي لاعباً في فريق الشباب يبلغ من العمر 18 عاماً، وانتقل إلى فريق كان يعاني في ذلك الوقت في دوري الدرجة الثانية الإيطالية.
لكن في نوفمبر 2013، اتصل الوكيل مرة أخرى، ويضيف رومانو: «قال إنني ساعدته في بداية حياته المهنية، والآن حان دوره لمساعدتي». أخبره مصدره أن إيكاردي وافق على الانتقال إلى إنتر ميلان الصيف المقبل. وقبل 6 أشهر من الإعلان عن الصفقة رسمياً، نشر رومانو الخبر على أحد مواقع مشجعي إنتر ميلان.
وقال رومانو: «كان هذا هو الوقت الذي تغير فيه كل شيء»، غادر نابولي إلى ميلان، حيث انتقل من العمل في الصحافة المستقلة، للحصول على وظيفة في «سكاي سبورتس إيطاليا»، وكان السبب الرئيسي هو خبره الحصري لانتقال إيكاردي إلى إنتر ميلان، خبر يقول عنه رومانو: «كانت تلك القصة جزءاً من حياتي».
وبحلول الوقت الذي وصل فيه رومانو إلى «سكاي سبورتس إيطاليا»، كان أبرز صحفي إيطالي في عالم سوق انتقالات هو «جيانلوكا دي مارزيو»، مراسل ونجم القناة.
وساعد «رومانو» «دي مارزيو» في بناء وملء موقعه الشخصي على شبكة الإنترنت الخاص بأخبار انتقالات اللاعبين، في المقابل، تعلم «رومانو» من «دي مارزيو» أسرار المهنة، لا سيما الطريقة التقليدية للحصول على أخبار سوق انتقالات اللاعبين. قال رومانو: «لسنوات وسنوات، كنت أتجول كل يوم في المدينة، أبحث في المطاعم، الفنادق، وفي أي مكان يلتقي فيه لاعبو كرة القدم».
ولكن كان لدى رومانو شعور بديهي بأن المشهد يتغير، لقد أدرك أن وسائل التواصل الاجتماعي هي المستقبل، ويمكن أن تكون بمثابة منفذ ومصدر لأخبار سوق انتقالات اللاعبين.
شعبية السوشيال ميديا
ويقول رومانو وهو يحكي عن بداية تصاعد شعبيته على مواقع التواصل الاجتماعي: «على سبيل المثال، استخدمت إنستغرام في البداية كشيء شخصي، أود أن أنشر صورة لغروب الشمس الجميل، وعشاء جيد، لكن طوال الوقت، في التعليقات، كان الناس يسألونني عن الانتقالات، ولم يكن أحد مهتماً بحياتي، أنا لست نجماً، أنا صحفي والصحفي وسيط أحياناً».
شهرة عالمية
تزايد الاهتمام برومانو وارتفعت شعبيته، ما جعله يتجاوز حدود سوق انتقالات إيطاليا، وبدأ يقتحم إنجلترا، وفرنسا وإسبانيا، بحثاً عن قصص انتقالات بعيداً عن إيطاليا، وجاءت القفزة الكبيرة في تغطيته لسوق الانتقالات العالمية في عام 2020، أمضى لاعب خط الوسط البرتغالي الموهوب برونو فرنانديز، معظم صيف عام 2019 مرتبطاً بالانتقال إلى مانشستر يونايتد، قلل رومانو باستمرار من احتمالية حدوث ذلك، ولكن بعد بضعة أشهر، تحرك مان يونايتد فعلياً لضمه في يناير 2020، وكان رومانو هو أول من أعلن الصفقة مستخدماً جملته المعتادة «ها نحن ذا»، مخلفاً ردود أفعال ضخمة.
ولا يدعي رومانو أنه كان لديه الأسبقية في نشر هذه القصة، حيث تناقلتها عدة منابر إعلامية، وتم تداولها على نطاق واسع في الأسابيع التي سبقت اكتمالها، وعلى الرغم من ذلك، في نظره، السرعة ليست المكان الذي تكمن فيه القيمة الحقيقية في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما في ذلك الجزء منها المخصص لسوق الانتقالات الفوضوي والمتناقض والخيالي في كثير من الأحيان.
بيزنس المصداقية
ويقول رومانو إن ما يريده المتابعون أكثر من أي شيء آخر، هو أن يعرفوا أن ما يقرؤونه صحيح، وهذا ما يحاول تقديمه.
جزئياً، يمكن أن يُعزى تأثير رومانو المتزايد، إلى أخلاقياته في العمل، فقد أضاف 7 ملايين متابع على وسائل التواصل الاجتماعي في الأشهر الـ18 الماضية، رغم عدم نشره أخبار الانتقالات على صفحاته أولاً، ويكتفي بإرسالها إلى «سكاي سبورتس»، أو «الغارديان»، ليقوم بعد ذلك بمشاركتها على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي تويتر، إنستغرام، فيسبوك، ويوتيوب، أو يتحدث عنها في البودكاست الخاص به، أو على قناة تويتش الخاصة به، أو في ظهوره على قناة «سي بي سبورتس»، حيث يحل ضيفاً بين الحين والآخر، للحديث عن جديد سوق انتقالات اللاعبين، أو يرد على متابعيه مباشرةً على وسائل التواصل الاجتماعي. ووفقاً لرومانو نفسه أثناء نوافذ سوق الانتقالات لا ينام بانتظام، ولا يذهب لفراشه حتى الساعة 5 صباحاً.
من ناقل إلى مشارك
وبلغ تأثير فابريزيو رومانو في سوق انتقالات اللاعبين حدوداً غير مسبوقة، إذ ساعدته موثوقيته ومهنيته في هذا المجال، إلى نيل ثقة أندية كرة القدم نفسها، وأصبح البعض منها يستخدمه في فيديوهات الإعلان عن الصفقات الجديدة، مستغلين شعبيته الجارفة في عالم انتقالات اللاعبين، لجذب الانتباه، وكسب متابعين جدد.
وفي الصيف الماضي ظهر رومانو على حساب فالنسيا في «تويتر» لإعلان توقيع النادي مع البرازيلي ماركوس أندريه، وكان منطق فالنسيا في ذلك بسيطاً وهو التسويق للنادي، رومانو لديه 7.6 مليون متابع على تويتر، في حين عدد متابعي فالنسيا على الشبكة 1.3 مليون متابع.
منذ ذلك الحين، حذا آخرون حذو فالنسيا، فظهر رومانو، في حملة الترويج لقميص واتفورد للموسم الجديد، وظهر في مقاطع فيديو لكل من نادي أوغسبورغ الألماني، ونادي تورنتو الكندي الممارس بالدور الأمريكي، حيث أعلن عن التعاقد مع ريكاردو بيبي، المهاجم الأمريكي، وصانع الألعاب الإيطالي لورينزو إنسيني.
وعموماً، يبلغ حجم سوق النقل العالمي 6 مليارات دولار، ويمكن أن تصل قيمة الصفقات إلى الملايين من العمولات وحدها، لكنه يبقى مجالاً هشاً ولا يمكن التنبؤ به، وكلمة واحدة، من شخص مثل رومانو، يمكنها صنع صفقة أو تحطيمها.