عاشت شبه الجزيرة العربية قبل تأسيس الدولة السعودية أوضاعا اقتصادية صعبة، لكن الأمر اختلف بعد تأسيس الدولة قبل أكثر من 3 قرون.
تحدثت أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة منال بنت عواد المريطب لـ”أخبار 24” عن الأوضاع الاقتصادية في تلك الحقبة الزمنية.
الاقتصاد في الدولة السعودية
قالت الدكتورة المريطب إن مصادر الدخل في عهد الدولة السعودية الأولى امتازت بالتنوع والوفرة لاتساع مساحة الدولة السعودية التي شملت معظم مناطق الجزيرة العربية، حيث امتدت من الخليج العربي حتى البحر الأحمر، ومن موارد الدخل النشاط التجاري، والزراعي، والرعي، ودخل الزكاة وغيرها.
وفاقت مصادر الدخل هذه أوجه الإنفاق بدرجة كبيرة، إذ كانت أوجه الإنفاق بسيطة تواكب المتطلبات المتواضعة في ذلك العصر، لذلك يمكن القول بأن الدولة السعودية الأولى كانت غنية وذات دخل اقتصادي جيد، واستطاع قادتها وأهلها أن ينعموا بحياة الرخاء والاستقرار المتناسبة مع ظروفهم الاجتماعية في تلك الفترة.
العملة والتعاملات المالية
وأضافت أنه قبل قيام الدولة السعودية الأولى كانت الجزيرة العربية تعيش في اضطراب سياسي واسع تسوده الصراعات والخلافات، ما حرم المنطقة من قيام أي وضع سياسي مستقر لمدة قرون من الزمن، وتبع ذلك انهيار اقتصادي تام، لذلك كانت المقايضة هي الوسيلة الأكثر شيوعا في التعامل التجاري، في ظل انعدام الكيانات السياسية التي تستطيع أن تنشئ كيانا سياسيا مستقرا يثمر عن نظام مالي منظم يساهم في إصدار وتداول العملات.
وبينت أن سكان الجزيرة العربية اعتمدوا في ذلك الحين على استخدام عملات متعددة من أجل تيسير التعامل بين التجار، وكانوا يتعاملون بالعملات المتوفرة حينها في المناطق المجاورة، ومن أشهر العملات التي استخدموها الأحمر والمشخص، وهي عملات ذهبية، كما استخدموا الريال وهو ريال “ماريا تريزا” وهو عبارة عن قطعة نقدية من الفضة ضربت في النمسا في عهد الإمبراطورة “ماريا تريزا” في أواخر القرن 12هـ /18م، ورغم أن هذه العملة صكت في النمسا لكن غلب عليها اسم الريال الفرنسي .
الحرف التي مارسها الناس
وأوضحت الدكتورة منال، أن الناس في عهد الدولة السعودية الأولى كانوا يمارسون الحرف والمهن المتعارف عليها آنذاك، والتي من أهمها الزراعة إذ تعد أهم نشاط اقتصادي فيها نظرا لخصوبة تربتها في بعض الجهات ووفرة المياه فيها، فعلى سبيل المثال أنشئت العاصمة الدرعية على موضعين في وادي حنيفة هما (المليبيد – وغصيبة)، وتمتاز هذه المنطقة بخصوبة أرضها، ما ساهم في كثرة مزارعها التي تجود بإنتاج زراعي خصب يفيض في بعض الأحيان عن حاجتها فتصدره للمدن والقرى النجدية المجاورة مثل العيينة وحريملاء وغيرهما .
كذلك تقع الدرعية على مفترق الطرق التجارية التي تعبر أراضيها، مما ساهم في إنعاش التجارة بها، وعندما اتسعت مساحة الدولة السعودية الأولى تعددت مواردها فقد أضاف توحيد المنطقة الشرقية دخلا اقتصاديا كبيرا، نظرا لوقوعها على مياه الخليج العربي وازدهار التجارة في تلك الجهات علاوة على ازدهار الزراعة بها لخصوبة الواحات الزراعية ووفرة العيون بها، علاوة على ممارسة سكان تلك الجهات لحرفة صيد الأسماك، إضافة إلى رعي الماشية، إذ إن ثروة الفرد في البادية كانت تقاس بمقدار ما يملكه من رؤوس الماشية .
أعمال التجارة
وأشارت إلى أن أهم عناصر التجارة هي المحاصيل الزراعية وأهمها التمور لوفرة زراعة النخيل بنجد، علاوة على بعض المحاصيل الأخرى كالخضراوات والحبوب، كما كانوا يتاجرون ببعض المصنوعات اليدوية كالأواني والملابس والأسلحة، إضافة إلى المواشي والإبل وبيع منتجاتها كالألبان واللحوم والسمن والاقط والأصواف وغير ذلك .
أماكن التنقل للتجارة
وبينت أنه يمكن القول أن السكان انقسموا من حيث طرق المعيشة والرزق إلى حاضرة وبادية، استقرت الحاضرة في المدن والقرى، أما البادية فقد تنقلوا من مكان لآخر، وقد مارس الحاضرة حرفتي الزراعة والتجارة وانقسمت التجارة إلى ثلاثة أنماط وفق تقسيم السكان، وهي تجارة محلية، وتجارة إقليمية، وتجارة خارجية، فالأولى هي التي كانت سائدة بين السكان الحضر في كل بلدة على انفراد، أما التجارة الإقليمية فهي التي كانت سائدة بين الحاضرة من جهة والبادية من جهة أخرى، أما التجارة الخارجية فكانت تتم بين البلدان والقرى المختلفة، ولذلك انتقل الناس في البحث عن لقمة العيش وفق أنماط التجارة التي مارسوها.
وكذلك كانت تنقلات البادية للبحث عن لقمة العيش تتبع في الغالب مهنتهم الرئيسة وهي رعي الماشية فكانت تنقلاتهم تأتي في إطار البحث عن الماء والكلأ .